فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ}.
يعني العمل الذي شُرِطَ عليه.
{وَسَارَ بِأَهْلِهِ} أي بزوجته.
{ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} أي رأى، وقد يعبر عن الرؤية بالعلم.
{قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بخبر الطريق الذي أراد قصده هل هو على صوبه أو منحرف عنه.
الثاني: بخبر النار التي رأها هل هي لخير يأنس به أو لشر يحذره.
{أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ} فيها أربعة أوجه:
أحدها: الجذوة أصل الشجرة فيها نار، قاله قتادة.
الثاني: أنها عود في بعضه نار وليس في بعضه نار، قاله الكلبي.
الثالث: أنها عود فيه نار ليس له لهب، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: أنها شهاب من نار ذي لهب، قاله ابن عباس. قال الشاعر:
وألقي على قبس من النار جذوة ** شديدٌ عليها حميها والتهابها

{لَعلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي تستدفئون.
قوله تعالى: {فَلَمَّآ أَتَاهَا} يعني النار أي قرب منها.
{نُودِيَ مِن شَاطِيءِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ} وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى {اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طَوًى}.
واحتمل وصفها بالبركة وجهين:
أحدهما: لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة.
الثاني: أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف.
ثم قال تعالى: {مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصورًا على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتًا لوحدانيته ونفيًا لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولًا إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
فإن قيل: فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ؟
قيل: عنه جوابان:
أحدهما: أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم.
الثاني: أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العليق وهي العوسج.
قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهانًا عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهانًا له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه.
فإن قيل: فإذا كانت برهانًا إليه وبرهانًا له فلم ولَّى منها هاربًا؟
قيل لأمرين:
أحدهما: رأى ما خالف العادة فخاف.
الثاني: أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هاربًا حتى نودي فعلم.
{ولَمْ يُعَقِّبْ} فيه وجهان:
أحدهما: ولم يثبت، اشتقاقًا من العقب الذي يثبت القدم.
الثاني: ولم يتأخر لسرعة مبادرته.
ويحتمل ثالثًا: أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه.
{يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: الآمنين من الخوف.
الثاني: من المرسلين لقوله تعالى: {إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} قال ابن بحر: فصار على هذا التأويل رسولًا بهذا القول. وعلى التأويل الأول يصير رسولًا بقوله: {فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإِئْهِ} والبرهانان اليد والعصا.
وفي قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وجهان:
أحدهما: أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف.
الثاني: أن الجيب جنب البدن.
{مِنَ الرَّهْبِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الرهب الكُمّ، قاله مورق.
الثاني: أنه من الخوف. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {فلما قضى موسى الأجل} قال سعيد بن جبير سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى، فقلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب أعني ابن عباس، فقدمت عليه فسألته، فقال قضى أكملهما وأوفاهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال وفي فعدت فأعلمت النصراني، فقال صدق هذا والله العالم، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشرًا وعشرًا بعدها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر بلده وقومه وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوءة فسار وكان رجلًا غيورًا لا يصحب الرفاق، فلما جاء في بعض طريقه في ليلة مظلمة مردة حرة قال النقاش كانت ليلة جمعة فقدوا النار وأصلد الزند وضلوا الطريق واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى نارًا وكان ذلك نورًا من الله تعالى قد التبس بشجرة قال وهب كانت عليقًا وقال قتادة عوسجًا.
وقيل زعرورًا، وقيل سمرة، قاله ابن مسعود و{آنس} معناه أحسن والإحساس هنا بالبصر ومن هذه اللفظة قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدًا}.
[النساء: 6] ومنها قول حسان: المنسرح:
انظر خليلي بباب جلق هل تـ ** ونس دون البلقاء من أحد

وكان هذا الأمر كله في {جانب الطور} وهو جبل معروف بالشام، و{الطور} كل جبل، وخصصه قوم بأنه الذي لا ينبت فلما رأى موسى النار سر فقال لأهله أقيموا فقد رأيت نارًا {لعلي آتيكم منها بخير} عن الطريق أين هو {أو جذوة} وهي القطعة من النار في قطعة عود كبيرة لا لهب لها إنما هي جمرة ومن ذلك قول الشاعر: ابن مقبل: البسيط:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ** جزل الجذا غير خوار ولا دعر

قال القاضي أبو محمد: وأحسب أن أصل الجذوة أصول الشجر وأهل البوادي أبدًا يوقدونها، فتلك هي الجذوة حقيقة، ومنه قول السلمي يصف الصلى: الطويل:
حمى حب هذا النار حب خليلتي ** وحب الغواني فهي دون الحبائب

وبدلت بعد البان والمسك شقوة ** دخان الجذا في رأس أشحط شاحب

وقرأ الجمهور {جِذوة} بكسر الجيم، وقرأ حمزة والأعمش {جُذوة} بضمها، وقرأ عاصم {جَذوة} بفتحها، وهي لغات والصلى حر النار، و{تصطلون} تفتعلون منه أبدلت التاء طاء، فلما أتى موسى عليه السلام ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة نبىء عليه السلام، فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه تمشي به الشجرة وهي خضراء غضة حتى {نودي} و{الشاطىء} والشط ضفة الوادي، وقوله: {الأيمن} يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطىء، ويحتمل أن يكون المعادل لليسار فذلك لا يوصف به الشاطىء إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي أو يعكس ذلك وكل هذا وقد قيل، وبركة البقعة هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام، والناس على ضم الباء من {بُقعة} وقرأ بفتحها أبو الأشهب، قال أبو زيد: سمعت من العرب: هذه بَقعة طيبة بفتح الباء، وقوله تعالى: {من الشجرة} يقتضي أن موسى عليه السلام سمع ما سمع من جهة الشجرة، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد، وقوله تعالى: {أن يا موسى} يحتمل أن تكون {أن} مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، وقرأت فرقة {أني أنا الله} بفتح {أني} ثم أمره الله تعالى، بإلقاء العصا، فألقاها فانقلبت حية عظيمة ولها اضطراب الجانّ وهو صغير الحيات فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ، هذا قول بعضهم، وقالت فرقة: بل الجانّ يعم الكبير والصغير وإنما شبه ب الجان جملة العصا لاضطرابها فقط، وولى موسى عليه السلام فزعًا منها، {ولم يعقب} معناه لم يرجع على عقبه، من توليه فقال الله تعالى: {يا موسى أقبل} فأقبل وقد آمن بتأمين الله إياه، ثم أمره أن يدخل يده في جيبه وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه، وسلك معناه أدخل ومنه قول الشاعر:
حتى سلكن الشوا منهن في مسك ** من نسل جوابة الآفاق مهداج

وقوله تعالى: {من غير سوء} أي من غير برص ولا مثلة.
وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس، وقوله تعالى: {واضمم إليك جناحك من الرهب} ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي، وقوله تعالى: {فذانك برهانان} قال مجاهد والسدي: هي إشارة إلى العصا واليد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس {الرَّهَب} بفتح الراء والهاء، وقرأ عاصم وقتادة {الرهْب} بسكون الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضًا {الرُّهْب} بضم الراء وسكون الهاء، وقرأ الجحدري {الرُّهُب} بضم الراء والهاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فذانّك} بشد النون، وقرأ الباقون {فذانك} بتخفيف النون، وقرأ شبل عن ابن كثير {فذانيك} بياء بعد النون المخففة، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف، وقرأ ابن مسعود: {فذانيك} بالياء أيضًا مع شد النون وهي لغة هذيل، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون، و{برهانان} حجتان ومعجزتان، وباقي الآية بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فلمَّا قضى موسى الأجَلَ}.
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أيّ الأجلين قضى موسى، قال: «أوفاهما وأطيبهما» قال مجاهد: مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشرًا أُخَر.
وقال وهب بن منبِّه: أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه: 10] إِلى قوله: {أو جَذْوَةٍ} وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: {جِذْوَةٍ} بكسر الجيم.